فصل: تفسير الآيات (16- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (8- 12):

{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)}
{ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة} يعني إلى أجل محدود وأصل الأمة في اللغة الجماعة من الناس فكأنه قال سبحانه وتعالى إلى انقراض أمة ومجيء أمة أخرى {ليقولن ما يحبسه} يعني: أي شيء يحبس العذاب وإنما يقولون ذلك استعجالاً بالعذاب واستهزاء يعنون أنه ليس بشي قال الله عز وجل: {ألا يوم يأتيهم} يعني العذاب {ليس مصروفاً عنهم} أي لا يصرفه عنهم شيء {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} يعني ونزل بهم وبال استهزائهم.
قوله سبحانه وتعالى: {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} يعني: رخاء وسعة في الرزق والعيش وبسطنا عليه من الدنيا {ثم نزعناها منه} يعني سلبناه ذلك كله وأصابته المصائب فاجتاحته وذهبت به {إنه ليؤوس كفور} يعني يظل قانطاً من رحمة الله آيساً من كل خير كفور أي جحود لنعمتنا عليه أولاً قليل الشكر لربه قال بعضهم: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من أمن وسعة وعافية فاشكرها ولا تجحدها فإن نزعت عنك فينبغي لك أن تصبر ولا تيأس من رحمة الله فإنه العواد على عباده بالخير وهو قوله سبحانه وتعالى: {ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته} يعني ولئن نحن أنعمنا على الإنسان وبسطنا عليه من العيش {ليقولن} يعني الذي أصابه الخير والسعة {ذهب السيئات عني} يعني ذهب الشدائد والعسر والضيق وإنما قال ذلك غرة بالله عز وجل وجرأة عليه لأنه لم يضف الأشياء كلها إلى الله وإنما أضافها إلى العوائد فهلذا ذمه الله تعالى فقال {إنه لفرح فخور} أي إنه أشر بطر والفرح لذة تحصل في القلب بنيل المراد والمشتهى والفخر هو التطاول على الناس بتعديد المناقب وذلك منهي عنه ثم استثنى فقال تبارك وتعالى: {إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات} قال الفراء: هذا استثناء منقطع معناه لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات فإنهم ليسوا كذلك فإنهم إن نالتهم شدة صبروا وإن نالتهم نعمة شكروا عليها {أولئك} يعني من هذه صفتهم {لهم مغفرة} يعني لذنوبهم {وأجر كبير} يعني الجنة.
قوله عز وجل: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فلعلك يا محمد تارك بعض ما يوحى إليك ربك أن تبلغه إلى من أمرك أن تبلغ ذلك إليه {وضائق به صدرك} يعني ويضيق صدرك بما يوحى إليك فلا تبلغه إياهم وذلك أن كفار مكة قالوا ائت بقرآن غير هذا ليس فيه سب آلهتنا فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك ذكر آلهتهم ظاهراً فأنزل الله عز وجل فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك يعني من ذكر آلهتهم هذا ما ذكره المفسرون في معنى هذه الآية وأجمع المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم فيما كان طريقه البلاغ فإنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منه بخلاف ما هو به لا خطأ ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً وأنه صلى الله عليه وسلم بلغ جميع ما أنزل الله عليه إلى أمته ولم يكتم منه شيئاً وأجمعوا على أنه لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيانة في الوحي والإنذار ولا يترك بعض ما أوحي إليه لقول أحد لأن تجويز ذلك يؤدي إلى الشك في أداء الشرائع والتكاليف لأن المقصود من إرسال الرسول التبليغ إلى من أرسل إليه فإذا لم يحصل ذلك فقد فاتت فائدة الرسالة والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك كله وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد بقوله تعالى فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك شيئاً آخر سوى ما ذكره المفسرون.
وللعلماء في ذلك أجوبة:
أحدها: قال ابن الأنباري: قد علم الله سبحانه وتعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك شيئاً مما يوحى إليه إشفاقاً من موجدة أحد وغضبه ولكن الله تعالى أكد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في متابعة الإبلاغ من الله سبحانه وتعالى كما قال: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} الآية.
الثاني: أن هذا من حثه سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتحريضه على أداء ما أنزله إليه والله سبحانه وتعالى من وراء ذلك في عصمته مما يخافه ويخشاه.
الثالث: أن الكفار كانوا يستهزئون بالقرآن ويضحكون منه وتهاونون به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضيق صدره لذلك وأن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويستهزئون به فأمره الله سبحانه وتعالى بتبليغ ما أوحي إليه وأن لا يلتفت إلى استهزائهم وأن يتحمل هذا الضرر أهون من كتم شيء من الوحي، والمقصود من هذا الكلام التنبيه على هذه الدقيقة لأن الإنسان إذا علم أن كل واحد من طرفي الفعل والترك مشتمل على ضرر عظيم ثم علم أن الضرر في باب الترك أعظم سهل عليه الإقدام على الفعل، وقيل: إن الله سبحانه وتعالى مع علمه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك شيئاً من الوحي هيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة باستهزائهم وردهم إلى قبول قوله بقوله: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك} أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم مخافة ردهم واستهزائهم به وضائق به صدرك أي بأن تتلوه عليهم {أن يقولوا} يعني مخافة أن يقولوا {لولا أنزل عليه كنز} يعني يستغني به وينفقه {أو جاء معه ملك} يعني يشهد بصدقه وقائل هذه المقالة هو عبد الله بن أمية المخزومي.
والمعنى أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت صادقاً في قولك بأنك رسول الله الذي تصفه بالقدرة على كل شيء وأنت عزيز عنده مع أنك فقير فهلا أنزل عليك ما تستغني به أنت وأصحابك وهل أنزل عليك ملكاً يشهد لك بالرسالة فتزول الشبهة في أمرك فأخبر الله عز وجل أنه صلى الله عليه وسلم نذير بقوله عز وجل: {إنما أنت نذير} تنذر بالعقاب لمن خالفك وعصى أمرك وتبشر بالثواب لمن أطاعك وآمن بك وصدقك {والله على كل شيء وكيل} يعني أنه سبحانه وتعالى حافظ يحفظ أقوالهم وأعمالهم فيجازيهم عليها يوم القيامة.

.تفسير الآيات (13- 15):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)}
قوله سبحانه وتعالى: {أم يقولون افتراه} يعني بل يقول كفار مكة اختلقه يعني ما أوحي إليه من القرآن {قل} أي قل لهم يا محمد {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} لما قالوا له افتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك وليس هو من عند الله تحداهم وأرخى لهم العنان وفاوضهم على مثل دعواهم فقال صلى الله عليه وسلم هبوا أني اختلقته من عند نفسي ولم يوح إلي شيء وأن الأمر كما قلتم وأنتم عرب مثلي من أهل الفصاحة وفرسان البلاغة وأصحاب اللسان فأتوا أنتم بكلام مثل هذا الكلام الذي جئتكم به مختلق من عند أنفسكم فإنكم تقدرون على مثل ما أقدر عليه من الكلام فلهذا قال سبحانه وتعالى: {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} في مقابلة قولهم افتراه.
فإن قلت قد تحداهم فأن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك وعجزوا عنه فكيف قالوا فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ومن عجز عن سورة واحدة فهو عن العشرة أعجز.
قلت: قد قال بعضهم إن سورة هود نزلت قبل سورة يونس، وأنه تحداهم أولاً بعشر سور فلما عجزوا تحداهم بسورة يونس وأنكر المبرد هذا القول وقال: إن سورة يونس نزلت أولاً، قال: ومعنى قوله في سورة يونس فأتوا بسورة مثله يعني مثله في الإخبار عن الغيب والأحكام والوعد والوعيد وفي قوله في سورة هود فأتوا بعشر سور مثله يعني في مجرد الفصاحة والبلاغة من غير خبر عن غيب ولا ذكر حكم ولا وعد ولا وعيد فلما تحداهم بهذا الكلام أمره بأن يقول لهم {وادعوا من استطعتم من دون الله} حتى يعينوكم على ذلك {إن كنتم صادقين} يعني في قولكم إنه مفترى {فإن لم يستجيبوا لكم} اعلم أنه لما اشتملت الآية المتقدمة على أمريين وخاطبين:
أحدهما: أمر وخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله سبحانه وتعالى قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. والثاني: أمر وخطاب للكفار وهو قوله تعالى وادعوا من استطعتم من دون الله ثم أتبعه بقوله تبارك وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم احتمل أن يكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا في المعارضة لعجزهم عنها واحتمل أن يكون المراد أن من يدعون من دون الله لم يستجيبوا للكفار في المعارضة فلهذا السبب اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين أحدهما أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه كانوا يتحدون الكفار بالمعارضة ليتبين عجزهم فلما عجزوا عن المعارضة قال الله سبحانه وتعالى لنبيه والمؤمنين فإن لم يستجيبوا لكم فيما دعوتموهم إليه من المعارضة وعجزوا عنه {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} يعني فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقيناً وثباتاً لأنهم كانوا عالمين بأنه منزل من عند الله، وقيل: الخطاب في قوله فإن لم يستجيبوا لكم للنبي صلى الله عليه وسلم وحده وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيماً له صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: أن قوله سبحانه وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم خطاب مع الكفار وذلك أنه سبحانه وتعالى لما قال في الآية المتقدمة وادعوا من استطعتم من دون الله قال الله عز وجل في هذه الآية فإن لم يستجيبوا لكم أيها الكفار ولم يعينوكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأنه ليس مفترى على الله بل هو أنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وأن لا إله إلا هو} يعني الذي أنزل القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو لا من تدعون من دونه {فهل أنتم مسلمون} فيه معنى الأمر أي أسلموا وأخلصوا لله العبادة وإن حملنا معنى الآية على أنه خطاب مع المؤمنين كان معنى قوله فهل أنتم مسلمون الترغيب أي دوموا على ما أنتم عليه من الإسلام.
قوله عز وجل: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها} يعني بعمله الذي يعمله من أعمال البر نزلت في كل من عمل عملاً يبتغي به غير الله عز وجل: {نوف إليهم أعمالهم فيها} يعني أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا وذلك أن الله سحبانه وتعالى يوسع عليهم في الرزق ويدفع عنهم المكاره في الدنيا ونحو ذلك {وهم فيها لا يبخسون} يعني أنهم لا ينقصون من أجور أعمالهم التي علموها لطلب الدنيا بل يعطون أجور أعمالهم كاملة موفرة.

.تفسير الآيات (16- 17):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)}
{أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها} يعني وبطل ما عملوا في الدنيا من أعمال البر {وباطل ما كانوا يعملون} لأنه لغير الله واختلف المفسرون في المعنى بهذه الآية فروى قتادة عن أنس أنها في اليهود والنصارى وعن احسن مثله، وقال الضحاك: من عمل عملاً صالحاً في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك اجراً في الدنيا وهو أن يصل رحماً أو يعطي سائلاً أو يرحم مضطراً أو نحو هذا من أعمال البر فيجعل الله له ثواب عمله في الدنيا يوسع عليه في المعيشة والرزق ويقر عينه فيما خوله ويدعف عنه المكاره في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار الآية وهذه حالة الكافر في الآخرة وقيل نزلت في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم لأنهم كانوا لا يرجون ثواب الآخرة وقيل إن حمل الآية على العموم أولى فيندرج الكافر والمنافق الذي هذه صفته والمؤمن الذي يأتي بالطاعات وأعمال البر على وجه الرياء والسمعة قال مجاهد في هذه الآية هم أهل الرياء وهذا القول مشكل لأن قوله سبحانه وتعالى أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار لا يليق بحال المؤمن إلا إذا قلنا إن تلك الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة لما كانت لغير الله استحق فاعلها الوعيد الشديد وهو عذاب النار ويدل على هذا ما روي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» أخرجه مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» يعني ريحها أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن قال واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم ألف مرة قيل يا رسول الله من يدخله قال القراء المراؤون بأعمالهم» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب قال البغوي وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال الرياء» أخرجه بغير سند والرياء هو أن يظهر الإنسان الأعمال الصالحة ليحمده الناس عليها أو ليعتقدوا فيه الصلاة أو ليقصدوه بالعطاء فهذا العمل هو الذي لغير الله نعوذ بالله من الخذلان قال البغوي وقيل هذا في الكفار يعني قوله من كان يريد الحياة وزينتها أما المؤمن فيريد الدنيا والآخرة وإرادته الآخرة غالبة فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وروينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيراً» أخرجه البغوي بغير سند.
قوله سبحانه وتعالى: {أفمن كان على بينة من ربه} لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية المقتدمة الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر في هذه الآية من كان يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة فقال سبحانه وتعالى افمن كان على بينة من ربه أي كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار وإنما حذف هذا الجواب لظهوره ودلالة الكلام عليه وقيل معناه أفمن كان على بينة من ربه وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كمن هو في ضلالة وكفر والمراد بالبينة الدين الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وقيل المراد بالبينة اليقين يعني أنه على يقين من ربه أنه على الحق {ويتلوه شاهد منه} يعني ويتبعه من يشهد له بصدقه واختلفوا في الشاهد من هو، فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد وعكرمة والضحاك وأكثر المفسرين: أنه جبريل عليه السلام يريد أن جبريل يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ويسدده ويقويه وقال الحسن وقتادة هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يعني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله سبحانه وتعالى: {ويتلوه شاهد منه} قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه هذا القول إن اللسان لما كان يعرف عما في الجنان ويظهره جعل كالشاهد له لأن اللسان هو آلة الفضل والبيان وبه يتلى القرآن وقال مجاهد الشاهد هو ملك يحفظ النبي صلى الله عليه وسلم ويسدده وقال الحسين بن الفضل: الشاهد هو القرآن لأن إعجازه وبلاغته وحسن نظامه يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بنبوته ولأنه أعظم معجزاته الباقية على طول الدهر، وقال الحسين بن علي وابن زيد: الشاهد منه هو محمد صلى الله عليه وسلم ووجه هذا القول أن من نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعين العقل والبصيرة علم أنه ليس بكذاب ولا ساحر ولا كاهن ولا مجنون، وقال جابر بن عبد الله قال علي بن أبي طالب: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان فقال له رجل وأنت أي آية نزلت فيك فقال على ما تقرأ الآية التي في هود ويتلوه شاهد منه فعلى هذا القول يكون الشاهد علي بن أبي طالب وقوله يعني من النبي صلى الله عليه وسلم والمراد تشريف هذا الشاهد وهو علي لاتصاله بالنبي صلى الله عليه وسلم وقيل يتلوه شاهد منه يعني الإنجيل وهو اختيار الفراء والمعنى أن الإنجيل يتلو القرآن في التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالإيمان به وإن كان قد نزل قبل القرآن.
وقوله سبحانه وتعالى: {ومن قبله} يعني ومن قبل نزول القرآن وإرسال محمد صلى الله عليه وسلم {كتاب موسى} يعني التوراة {إماماً ورحمة} يعني أنه كان إماماً لهم يرجعون إليه في أمور الدين والأحكام والشرائع وكونه رحمة لأنه الهادي من الضلال وذلك سبب حصول الرحمة وقوله تعالى: {أولئك يؤمنون به} يعني أن الذين وصفهم الله بأنهم على بينة من ربهم هم المشار إليهم بقوله ولئك يؤمنون به يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل أراد الذين أسلموا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه {ومن يكفر به} يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم {من الأحزاب} يعني من جميع الكفار وأصحاب الأديان المختلفة فتدخل فيه اليهود والنصارى والمجوس وعبد ة الأوثان وغيرهم والأحزاب والفرق الذين تحزبوا وتجمعوا على مخالفة الأنبياء {فالنار موعده} يعني في الآخرة روى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» قال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله عز وجل حتى بلغني هذا الحديث لا يسمع بي أحد من هذه الأمة الحديث، قال سعيد: فقلت أين هذا في كتاب الله حتى أتيت على هذه الآية: {ومن قبله كتاب موسى} إلى قوله سبحانه وتعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} قال فالأحزاب أهل الملل كلها ثم قال سبحانه وتعالى: {فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك} فيه قولان أحدهما أن معناه فلا تك في شك من صحة هذا الدين ومن كون القرآن نازلاً من عند الله فعلى هذا القول يكون متعلقاً بما قبله من قوله تعالى: {أم يقولون افتراه} والقول الثاني: إنه راجع إلى قوله: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} يعني فلا تك في شك من أن النار موعد من كفر من الأحزاب والخطاب في قوله: {فلا تك في مرية} للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك قط ويعضد هذا القول سياق الآية وهو قوله سبحانه وتعالى: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} يعني لا يصدقون بما أوحينا إليك أو من أن موعد الكفار النار.